22 Aug
22Aug

لم أقرأ في السير المعاصرة أثرا لرومانسية الصحراء كما لسمتها في السيرة الحية خلقا وتطبعا لصديقي أبن رويعي، والأكثر إثارة انه متصل بعمق بين الماضي والمستقبل ويدرك أن الحاضر مجرد محطة يخفرها عسس التفتيش عن الهوية ولا تروق له لان التوقف مضيعة للوقت.

تجارب الحياة والتناوب بين الصحراء والقرية حتى وقتنا الحاضر أنتجت نموذجا معقدا من الشخصية لديها خارطة فكرية عميقة غير مرئية أحيانا، خليط من نقاء ودهاء الصحراء مجسدا ومرئي دون جدل، ولكن الأكثر إثارة منهجه في التعامل مع المستقبل.

طلبنا العلم سويا وكنت الأكثر اعجابا في طبعه وحدة ذكائه الفطرية النابعة من نقاء الصحراء و رحابتها وروحه المرحة وكنت دائم البحث عن شاهد زمني ودليل قطعي أن الصحراء والواحه ليست كما قيل عنها في مخطوطات الرحالة السخيفة التي تبحث بسطحية تامه عن الموارد الملائمة للاستعمار وتثبيت المثالب لاستبعاد والغاء التاريخ ، البعض قرأ الكرم والغزو والفقر ولم يقرأ الأشخاص وتأثير الصحراء على النفس ولم يتنبه لوجود الحكمة والتروي وجمال الحرف وبديهة الرد ، وجدته يجسدها.

لاريب ان الصحراء جميلة بكل الفصول والتفاصيل ويكمن جمالها في السعة والتقلبات وهي الأنسب للعلاج الروحي للجامحين إنس وجن ودواب، وهي البيئة الوحيدة في الكون القادرة على إخضاع الجموح , قساوتها افرزت أعذب منتج رومانسي متوارث على الإطلاق، كلمة وأدب وتوجس وخوف وفرح وحزن وسعادة وعزاء وانتظار المطر وتسامح وتعالي وكبرياء وشرف وانتماء وكرامه

.أبن رويعي يشبه ابن سيناء -متعدد العلوم- وشاعرا وفيلسوف يمتلك قوه ملاحظه مثيره للغاية، باستطاعته التخاطب مع الكائنات – مجازا- ويستحق الاستنساخ  قبل أن يهرم أو تتجه بوصلته إلى الصحراء حيث العشق القديم ويلتزم الصمت كما تفعل الجبال والتي اعتقد انها أناس اختاروا الصمت هيبة وإجلالا للصحراء الغيم والقمر.

لا أدري ماذا تحمل الأيام القادمة وأين سينتهي بي المطاف بعد عناء طويل في البحث عن الذات في موج متلاطم، ولكن المؤكد ستكون الرحلة مثيره ومكملة لنهاية رحلة النضوج التي حتما سأتوقف حينها عن الكلام والاكتفاء بالإيماءات وربما اختار ان أكون جبلا أخر في سلسة جبال الصامتون.

عندما اخترت العزلة في سنوات مضت في قرية النسيان ورضيت الزهد بضاعة ، اصبت بعدوى التضخم الذهني وكدت أغرق في محاولة مسايرة الواقع وتنميط الشخصية لإرضاء المجتمع للتخلص من العزلة تدريجيا، ولكن النتائج كانت كارثية فغصت أعمق في المتاهة وكان أفضل مكان يحتويني في الصحراء لابث حزني يسمى (المتياهه) ولو قدر له التقديس تحج له أفواجا من خلجاء الروح .

 عاد الزمن مرة أخرى بصديقي بسياق مشابه للمعلم الخضر في سورة الكهف،  واخذ بناصيتي لمكان أخر وسفينة أخرى لم تخرق بعد وأكاد جازما أنها لن تخرق قبل أن اتلقى ما كتب في الغيب ... الأهم أنه عاد بنفس الروح وقوة التأثير بملامح أكثر جاذبية استهوتني لمغامرة جديده وجريئة للغاية بدون معالم واضحة لما سيأتي،  تشبه حياة الصعاليك تماما مثل يومياتهم وادبهم واكلهم وشربهم ولا اخفى انها ممتعة ممتنعه خاصة مع صديق موثوق ، كنت اراهن دائما على تميزه خارج دائرة الضوء بسب زهده في الأضواء مقابل رضائه الداخلي تماما مثل الصحراء.

عدنا مجددا نعمل سويا في واحة اليقطين على ضفاف البحر، نزرع جداول اليقطين ترقبا للمستغفرين في بطون الحوت لينبذهم في العراء لنداري سقمهم ومازلنا نزرع بترقب وذهول واستبشار بما يحدث وما سيحدث وهل يكتب التاريخ لنا أو علينا خاصة مع نزعتنا الدائمة للعبث وكثرة السخرية بالحوت واليقطين والاستغفار أحيانا ! .

اكتفي بالاحتفاء بصديقي كل مرة والاستمرار بالمرح غير مباليا تماما وهذا هو المهم أن يتعافى عقلي من الصدأ ومن وعثاء الابتذال والنفاق والسكون القاتل.

لم يدم الحال طويلا فودعته إلى هجرة أخرى! 

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.