23 Aug
23Aug

ميناء مدينة غمسون الساحلية ...وجهة المهاجرين المتطلعين لحياة جديدة ... 


ترجل هائم السبسبي ، شاب نابغة في العلم و الصبر و المثابره ومكافح، ولد في الصحراء وهذا يكفي .

 صديق رحلته المدعو  قرو العيّار، شاب متوسط النبوغ وساخر، ولد في بيت طين بسقف خشبي مستورد، لا علامة للكفاح لأن مهمة الكفاح كفاه والده إياها.  

ترجلوا قاصدين مكتب شيخ الميناء لاستلام مهام وظيفتهم الجديده بعد إنهاء رحلتهم الدراسية المثيره أحيانا للجدل !

هائم : ( بنشوه ) ماذا لو طلب منا تطوير هذا الميناء التعيس ؟ سيكون تحدياً مذهل !

قرو : ( بتهكم ) على رسلك ... لا تتفائل! ... نحن على شاطىء مدينة لا نعرفها يا صديقي ، قيل لي أنه يكنى بساحل البعارين! ويبدو أن هذا الميناء قد تلبسته شياطين البعارين، انظر من حولك، ( ربنا يستر !) .

فضحك هائم بتفائل طاغي  فقال أرجو ان تحبس من سخريتك قليلاً أمام شيخ الميناء وإلا أضعنا فرصة القبول و الاحترام المبدئي ... تذكر .. قاعدة أول انطباع ..

وهم في الطريق أخذ قرو يسخر من كل شيء حتى من نفسه و طيور النورس التي يعتقد أنها لا محاله أضلت الطريق! ويطلق الالقاب النابية على كل ما يشاهد من إنسان و جماد و حتى قبعة صديقه هائم التي يعتقد أن لونها يحاكي الوهم بقتامة لونها  .. ثم بدأ يتظاهر بالوقار و الجديه بعد دخول المبنى و تمتم :

  "ولا بطلاً لأحيا بين الجماهير .. أنني مجرد بدوي مشقق الروح و القدمين " .. تلميحاً  لشيخ الميناء القابع على عرش المكتب قبل الدخول عليه من وراء الحاجز الزجاجي الذي إمتلاء بالموعظات و الحث على الاستغفار !

وكزه هائم و ترجاه أن يصمت،  وهم ينتظرون دخول بلاط الشيخ همس هائم : من أين لك هذه الابيات ؟

 فقال قرو : أنها للماغوط الذي لا أعرف عنه شياً و لكن قرأتها في ليلة رأس السنه في جزيرة الحب بدعة ، وأردت إثارة إعجابك لأني أغار من قريحتك ، بالمناسبه تعتقد أن لهذا الشيخ المبجل قريحه ؟ فضحك الإثنان و تبادلو رموز تهكم تكونت بفعل الزمن خلال رحلتهم و لا يخلو كلاهما من خبث المقصد دائماً. 

رحب الشيخ بهما ببرود سخي من على مقعدة و خلفه صفاً من دروع التكريم و كأوس الفوز التي تنبئ عن بطلاً في مسابقة رمي القله على أقل تقدير كما يتخيل قرو ،  يال المصيبة مادة دسمة للسخرية على طبق من ذهب قد كنها قرو كما تخيل هائم  . 

 أطلق بطل الميادين ديباجة معتادة ومكررة عن ضرورة الانضباط والتضحية وموشح البطولات الاستعراضي وشىء من الوعظ الديني ، كاد الجميع أن يهم بالصلاة في غير وقتها من شدة التأثير ! 

 كان لقاء من طراز تعبوي شعبوي ملهم أكثر منه مهنيه  ... أعطى مؤشر للإحباط الفاخر، لم يكن هناك توجه واضح لما هو مطلوب منهم عدا ضرورة الإلتزام بمواعيد العمل و الصلاة.

تبين لاحقاً ان جدول الأعمال اليومي عبارة عن حضور صوالين الاستقبال والمجاملات و إعداد المكاتبات و الطلبات  وتوقيعها وارسالها بين الابطال التي تبعد مكاتبهم خمسة إمتار فقط ، لا أحد يكترث في الاتصال المباشر وهذا تناقض مع حقيقة الخلفية الثقافية التي في مجملها ثقافة محكيه والأجدى الاتصال المباشر.  

ما تلبث هذه الصوالين أن تتحول إلى منابر ( دروشة) بحال نوقش موضوع تطوير الميناء من منظور إبداعي من قبل هذين التعيسين و التأكيد على تحريم السجائر!

همسات التشكيك بقدرتهم بدئت تعلو بحكم الفوارق العقلية و العلمية بينهم و المحاربين القدماء الذين يضمرون الغيره و لكن لم تكن غيره مهنية بقدر الخوف من تبعات التفوق بحال إقرار وقبول  الشيخ  لعقول هؤلاء المحدثين،  لايخفي كذلك بعض المحاربين القدامى غبطته على ما تنعم به هؤلاء في رحلتهم من نبات وإنسان ! و لم يلتفت أي منهم لنتاج علمهم لانه إقرار صريح بأحقية و أهلية المكان والزمان.

 تسرب اليأس إلى قرو سريعاً ورضخ للأمر الواقع بإمتعاض ، تدارك هائم وضع صديقه قرو وبذكاء إستطاع إنتشاله من الخيبه عن طريق ترياق القراءه و الكتابة ، قراءة أي شىء والكتابة في أي شىء خاصة و ان جهودهم قد تبددت في إيجاد حافز أو دعم لبحث قراءات ذات مردود جيد لتطوير الميناء و تطوير آليات العمل به وتوطين بعض المهن لسكان غمساء، لم يكن في غمساء مكتبه و كان هائم يخلق الكتب من العدم ،هم قرو بقرأة أي شي في يده وكان هائم يمنهج جرعات الكتب لقرو بحيث يستسيغها ثم يدمنها فنجح، بدأ بوجبة رواية عادية ثم رواية دسمة  ثم كتب  من نوع قابل للقرأة بمعنى البساطة في الطرح ثم تركه بحالة إدمان فكري عجيب . 

كانت هذه بداية قصة قرو العيّار مع القراءه و الكتابة ، كان بطلها الحقيقي هائم السبسبي الذي غير مجرى الاحباط إلى نبع مزدهر و ترك الواقع بقناعة المسلمات ... لا فرق !  المهم أن عقله يعيش.

هاجر الصديقين للصحراء على (ركايب) بعد سنوات ممتعه في جمع المحار ، المحار هو الرمزيه الوحيدة التي تجمعة مع المطر والبحر في أنشودة المطر التي سقط ديوانها في مناخ الابل أثناء الرحيل... 

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.