لم يكن بوسعي تحمل فقدان فرج المنصور في اغسطس ٢٠١٥، ادركت حينها أن القدر المحتوم سيلقي بظلاله على مابعده، لا يمكن استبداله ولن يأتي له مثيل .رائحة البحر والسوق - اي سوق- ورائحة المصانع ! ورائحة المطر الساحلي وبواقي آثار انفجار خلاط الموكا الباردة بسقف المطبخ، والسخرية المباغتة للناس والشجر والحجر ، وروح الفكاهه الاستثنائي ، كلها تذكرني به بقسوة لا تتوقف .لم تعد زياراتي للجبيل من بعده لها معنى وقررت انهي علاقتي بجغرافيا الفقد ، تخليت عن رابط المكان لانهاء العلاقة بالمكان الذي كان مسرحاً لأجمل ملحمة سخرية امتدت لسنوات كان فرج هو بطلها.لم أعش الفقد الشامل لطيب العيش الا بعد فراقه، كل موقف مثير استحضر معه نموذج فرج لفن السخرية الجارف والممتع، لم اجد بديل حتى تاريخه.
"الكثير من الناس يُضيعون نصيبهم من السعادة، ليس لأنّهم لم يجدوها، ولكن لأنّهم لم يتوقفوا للاستمتاع بها" وليام فيذر
كان يستجيب بطريقة خاصة لأي نداء أو موقف، يصنع منه مادة سخرية عنيفة تمتد لساعات واذا صنعت بغيابي تنقل لي ليتم اعادة تمثيل السيناريو والخوض في ردات فعله ودوافعه للتعجب أو العطف أو شنق الطرف الاخر بحبل الضحك .يمتلك حس فكاهي سريع جدا بدون ابتذال ولا يكترث بالحدود والسقف واظن هذا سبب كافي لبقائه في في عمله محبوباً من الجميع ولكن لايرغب - بعض - الجميع الاقتراب منه او منحه شئ من التكريم أو الترقيه خشية الاشتباك معه في دوامة السخرية والاستهتار بالمناصب ، هو حتما لايجيد الابتذال ، وهي من اهم مصادر السخرية الدائمة بالتأكيد.
يجب اخضاع أي زائر جديد أو صديق لايعرفه لتنويم مغناطيسي لقبول الصدمة اللذيذه للانضمام للمجموعة اللاذعه والخادشة حتى للحياء احياناً ، لكل شئ يطري على البال بدون تفكير، إما يؤدي القسم بقبول الاستباحة أو الإنسحاب وعدم الاقتراب، منهم من اعطي فرصة لاعادة المحاولة ولكن لم ينظر في طلبه خشية زيادة العدد الكمي بدون نوعية ذات قيمة مضافة للمجموع، كانت لديه استراتيجيه هستيرية لطرد المريدين السذج والاغنياء وابناء الذوات والمتحضرين الناقمين على القرية والصحراء والمنصاعين لمدرائهم وزوجاتهم ومرتادي الخبر والدمام يوم الجمعه ، كان يستخدم أساليب اختباريه في بعض الاحيان واغلب الاحيان يصعق الغير مرغوب بهم بصدمات خبيثه مثل: أليس لك بيت ترعاه! أو يقرأ الجريدة مقلوبه ،أو يستفسر عن آعظم حالات الشبق المجرب، أو يروي قصة تافهه عن فقدانه غطاء ابريق الشاي في أحد الرحلات البرية إلى غرب الصمان فقط من اجل الاستفزاز، أو يخلع ملابسه للحد الأدنى بحجة عدم وجود غريب يستحق الاحترام! .كان عراب الاستفزاز المرغوب، حتما لم يكن يتقصد الاهانه بقدر اختبار الاشخاص، لديه سيطره فطريه شبه كامله على المجموعه لايلبث احد إلا للتسليم.
انني اتخيل حجم الكارثه لو شهد ثورة التواصل الاجتماعي خاصة سنابشات و توكتوك، على الأغلب سيجرنا إلى عواقب وخيمه بتهمه سوء استخدام التقنية والأكيد تهمة التنمر الجماعي! أبسط انواع التنمر كانت غالبا عندم يرى تصرف مبالغ به أوعنصري، ينقلب متنمر على العرق والقبيلة والمدراء والتقاليد والمتنزهين على الشاطئ ويسمي جميع من يضع مقعد مخصص للأطفال في السيارة، العائلة السعيدة تهكما، خاصة من مرتادي طريق ابوحدريه ، ولا يسلم المعلمين من الازدراء والتهكم مع الغضب وفقدان السيطره على الألفاظ بسبب الاجازة المدرسية القاتله للبدن والروح، الجالبة للكسل والتسكع بالمولات وتلبية دعوات افراح الزواج حتى في أيسلاند ، المسببه للتوهان النفسي للابناء والامهات ،التي تتجاوز اربعة اشهر .
كان يرى النمطية والابتذال والسطحية في العلاقات الاجتماعية في المدن تحديدا بحكم التنوع الديمغرافي ، مثل جلسات المقاهي والتي كانت قليلة حينها، كان يقتحم الجلساء الذين يعرفونه أو يجهلونه بقوله: أليس في بيتكم قهوة وتمرا حساويا ! ، ولو بقي على قيد الحياة لأنجز رواية ابطالها جماعة المسجد! ، كان يزدري ازدواجية طرحهم في لقاءات مابعد صلاة الجمعة، يعتبرها إجتماعات رمزيه تمثل بروتوكول لا أكثر، لم تفضي إلى ثقافة عملية قابلة للتطبيق والتصديق، كان يردد أن ركام الاحذية الغير حضاري عند أبواب المساجد مازالت في تكدس ،ولا بصيص آمل أو نفع لا بالوعظ ولا قهوة مابعد الجمعة التي تسكب من حافظات حرارة سخيفة لاتحفظ حتى ماء الوجه ،في إشارة للاعتراض على هجر “ الدله “ لو رمزياً.
كانت لديه قدرة عجيبه في ترسيخ مبدأ اللامبالاه ، يستطيع انتزاعك من اسوء حالتك بلمح البصر ، يصطحبك لمكان يشبه حالتك المثيرة للشفقة ، مثل جوله في سوق “ الحراج “المستعمل، يعشق الضجيج والفوضى ! أو يختلس الانظار ليريك كواليس سوق الاسماك الخلفي الملئ بالكائنات الغير صالحة للاستخدام الآدمي ! ويستطرد بالشرح والتنوير بحماسه في تحديد الجنسيات الاكله لتلك الأسماك والكائنات ، وفي اروع حالته يأخذك لمطعم باكستاني في محطة وقود، غالبا “ الخنيني ٥”، أو مشتل زراعي وينتهي بشراء شتلات لا يمكنها العيش تحت الشمس أو لايعرف اسمها فقط من آجل ان تضحك ويربك تفكيرك بالتلوث البصري والسمعي وكذلك المعدي لكي ترضى وتستفيق بأن الجميع يتألم ، انت بأفضل الحال اشكر خالقك .
لن أنسى صديق مشترك ، سقراط - الساحر … سعد الشمري ولعلني سأكتب شئ يخصه لاحقا ، بصراحة احتاج لاعداد سخي قبل الكتابه يصل لقراءة شمش المعارف لفك الشيفرة ، سقراط / ديفينشي الشمري على أقل تقدير أما جاء من الماضي ،من طلاب سحرة فرعون أو يمتلك قدرة عجيبه في استشراف المستقبل، يخيل إلي أنه من أمكر وادهى الدهاة، كان المكمل الأساسي للخليط ، يعمل كيميائيا لمعادلة وتوازن المجموعة، هو الامير المنتخب وهو الاب الروحي إن صح التعبير، كان الواجهه المشرفة والدبلوماسية لنا نحن الفوضويين الغير مبالين اطلاقا لا بتقاليد ولا بحديث سوي ،كان المنقذ دائما في المواجيب الرسميه ويترك لنا المسرح نرتع ونعبث به روحاً وجسد بعد مغادرة الاولياء والصالحين وذوي الجاه والمنصب واحيانا رعيان تائهين ! .
عندما تكلم فرج المنصور…..
١. لاتهتم ، كل الأنس والدواب تشتكي .
٢. اترك العائلة وشأنها … ستجد طريق للنجاة .
٣. السفر براً له فضيلتان ، تأمل الطريق والبشر و ضمان العودة مبكراً عند خيبة الظن … لن توفرها طائرة ركابها يتوهمون الترف تفوح منهم رائحة الصابون “ الممسك” لوكس، أضفت له واسنانهم عالقة فيها بواقي البقدونس! قال : حسنا يتوهمون الغذاء الصحي إذاً.
٤. الخبز أصل الغذاء والفرح وليس الأرز الذي لم يغني الشرق من السقم.
٥. لا تقتني طائراً اليفاً يشبة الغراب لجمال غناءه.
٦. افضل وقت لبدء رحلة السفر بطريق التابلين ، رفحا تحديدا ( مسقط رأسه) إما ليلا لتتمكن من رؤية وهج السيارة المقابلة لتجنب امك الثكل، أو منتصف النهار صيفا لضمان الحد الأدنى من الراحلين وتسلية المفتشين المتضجرين من الشمس والملابس والحظ وعبق الأسفلت .
٧. لايوجد خطط و اولويه في الحياه، هذا هراء .. السعادة في الصدف والحظ من نصيب الغير مقبل ، الايمان كل الايمان في حظ " دغة” وبشكل مفرط.
٨. المناصب والمال مفسده ، صهريج الماء في العراء مع شويهات سيكلفك فقط قتلها وتقديمها للغرباء بصدر رحب وتتخلص من تكاليفها ، تعود راضياً لبيتك بدون هاجس الخسارة الفادحه التي تطرد النوم ، أما الصهريج فهو بمثابة الالياذه ! عند الشدائد .
٩. لايوجد مناسبة لإسعاد الاطفال، افعلها بإي وقت ولا تلتفت لقواعد التربية ، شقاء الطفوله والحرمان لن يعود.
١٠. لا تكترث بالمبالغة بالمظهر، خياط في شارع جدة يكفيك.
١١. بنهاية موسم الرحلات البرية الشتوية يجب حرق فراش النوم في آخر رحلة لتبقى بالذاكره، ويكفيك عناء التخزين و البحث عنه بعد تسعة أشهر.
١٢. اذا لزمت الشدة في التربية فلتكن مع الذكور دون الإناث وبعمر مبكر.
١٣. الصقارة والشعر في العصر الحديث تمثيل وادعاء لا تمت بصلة للجذور، وهم مقنع لامتطاء التراث ، إمتداد مشوة ، ذريعة الشهرة .
١٤. البساطة هي الأصل، مايفرح هو المقصود مع ضمان الحد الأدنى من كفاية العيش.
١٥. آثاث البيوت قديما أكثر رونقاً وبريقاً وخفه وجمال، “صاج للخبز ومراكي وزولية ودوشق ومكيف صحراوي احياناً “ بامكانك نقل العفش على حمار.
" أنا دائما أحب المشي فى المطر، لذلك لا أحد يستطيع أن يرانى أبكى " تشارلي تشابلن